{هُوَ ٱلَّذِىٓ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمْ لِأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ ۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ ۖ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِى ٱلْأَبْصَٰرِ} (الحشر: 2)
إنها أيام الله.. تلك التي تظهر لنا فيها قدرة الخالق سبحانه وتعالى على إحقاق الحق وإبطال الباطل.. تلك الأيام التي أذن الله أن ينصر جنده، ويهزم كل خوان أثيم ويذل كل جبار عنيد، ويفتح باب الأمل أمام من استيأس، ويعيد الروح لأمة اغتصبت أرضها وانتهكت أعراضها وتكالب عليها الأعداء وأثخنتها الجراح وقل عندها النصير.
إنها أيام الله.. حيث تحل ذكرى إجلاء بني النضير عن المدينة المنورة في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة للهجرة، بعد أن خانوا العهود ونقضوا المواثيق وتآمروا على من جاء رحمة للعالمين وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم، فنجى الله نبيه وأخرج الغادرين من ديارهم يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فكانوا عبرة لأولي النهى والأبصار.
إنها أيام الله.. حيث كنا قريبًا من ذكرى السادس من أكتوبر 1973 عندما هتفت حناجر المصريين بالتكبير وعلت الأصوات بنداء الحق وبدءوا معركتهم في شهر رمضان الكريم وهم صائمون، فأذن الله بنصرهم على عدو الله وعدوهم في مفاجأة أذهلت العالم كله بعد أن زعم الأعداء أنهم الجيش الذي لا يقهر، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب.
إنها أيام الله.. حيث انطلق في السابع من أكتوبر 2023 م (طوفان الأقصى)، فخرجت ثلة من عباد الله وأصحاب الأرض والحق على أرض فلسطين التي باركها الله، فجاثوا خلال الديار وصنعوا ملحمة من الفداء والبطولة النادرة وأثخنوا عدوهم وألحقوا به هزيمة نكراء أربكت حساباته وحبست الدماء في عروقه.
إن الضربة التي وجهتها المقاومة للعدو الصهيوني لن تفلح معها محاولاته لصناعة نصر زائف عبر استهداف المدنيين العزل بالطائرات الحربية في قطاع غزة، تلك الهجمات التي استهدفت المباني السكنية والمساجد والأسواق، وسقط فيها ما يقرب من 1600 شهيد (مدني) أكثر من 60% منهم نساء وأطفال، إضافة إلى سقوط اﻵلاف من المصابين، واﻷعداد تتزايد يوميا وبشكل كبير نظرًا للقصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، إضافة إلى فرض الحصار الكامل على القطاع وقطع إمدادات الكهرباء والماء وكل وسائل الحياة ومنع وصول أي إمدادات طبية وإنسانية، مما دفع أكثر من 250 ألف نسمة إلى اللجوء لمدارس اﻷونروا، وكل هذه جرائم حرب لا تحدث في العالم بهذه الكيفية إلا من قبل الاحتلال اﻹسرائيلي.
إن هذه المحاولات اليائسة من قبل الاحتلال اﻹسرائيلي إنما هي نوع من التخبط والارتباك بعد ملحمة (طوفان الأقصى) التي أفقدته صوابه، خاصة بعد أن زاد عدد قتلاه عن 1300 قتيل، وأصيب أكثر من 3300، وهو عدد مرشح للزيادة مع استمرار التحام المقاومة بجنوده واستمرار تواجدها في أماكن عديدة، إضافة إلى عدد كبير من الأسرى من بينهم قيادات عسكرية رفيعه.
إن من أوجب الواجبات على الأمة الإسلامية أفرادًا وشعوبًا في هذه المرحلة من تاريخ الصراع مع العدو تجديد نية الجهاد في سبيل الله وتقديم كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي لإخواننا في فلسطين، والدعاء لهم ونشر أخبارهم وترجمتها إلى كافة اللغات، وبث الثقة والتفاؤل بنصر الله تعالى ومواجهة كافة أشكال الإحباط التي قد تتسلل إلى البعض، والضغط على الحكومات لتقديم الدعم الكامل للمقاومة والعمل على رفع الحصار عن القطاع لإيصال المساعدات إليهم، ورفض كافة أشكال التطبيع مع العدو الغاصب وتفعيل المقاطعه الشعبية بشكل كبير لكل المتعاونين مع دولة الاحتلال والداعمين لها في كافة أنحاء العالم.
لقد بعث (طوفان الأقصى) برسالة قوية إلى كل المطبعين والمثبطين ووجه نداء إلى الجميع أن ينحازوا إلى الحق وإلى إرادة شعوبهم، ويصطفوا مع المقاومة فهي عزهم وفخارهم ومعها نصرهم،أما العدو فلم يعد لديه ما يعطيه لهم إلا الوهم ولم يعد عنده ما يقدمه للمطبعين إلا الخزي والندامة. إنها رسالة الحق جلية واضحة لمن وقف على الأعراف لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فساعة يُدين الاحتلال وساعة يركن إلى من أهلك الحرث والنسل وعاث في الأرض الفساد: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ)(هود: 113)