إعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر، تنصيب نفسه حاكما على ليبيا، رغم أنه لم يسيطر على العاصمة طرابلس، تعبيرٌ عن يأسٍ في إمكانية تحقيق هذا الهدف، لكنه بذلك يدفع نحو سيناريو التقسيم، على غرار ما هو الأمر في شبه الجزيرة الكورية.
فحفتر دفع بأسوأ السيناريوهات في البلاد، من خلال قطع شعرة معاوية مع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، وإنهاء أي علاقة له بالمؤسسات المنبثقة عن الاتفاق السياسي، بما فيها مجلس نواب طبرق، برئاسة عقيلة صالح، التابع له، بل وربما حتى الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني، غير المعترف بها دوليا.
لم تعُد “نصف الشرعية” التي منحها له مجلس نواب طبرق تعني لحفتر شيئا، لذلك تخلص من حليفه صالح، والذي لم يكن ينظر إليه سوى كتابع، انتهت مهمته الآن.
وينطلق حفتر في محاولة فرض الأمر الواقع داخليا وخارجيا، عبر سيطرته على نحو 80 بالمئة من مساحة البلاد، وحوالي 90 بالمئة من إنتاج النفط، المورد الرئيسي للبلاد من العملة الصعبة، وقرابة نصف سكان البلاد، البالغ عددهم نحو 6.7 مليون نسمة، يخضعون لسلطته.
ولم ينس حفتر أن يغلف مشروعه في الحكم، بنوع من البهرجة الخادعة، من خلال دعوة أنصاره لتفويضه، فيخرج بعض الأفراد الموالين له للتظاهر تلبية لطلبه، ولو أن بعضهم فوض سيف الإسلام القذافي لحكم البلاد، في مشهد هزلي يشي بضحالة الفكر السياسي لجنرال الشرق ومستشاريه وداعميه.
التقسيم دون اعتراف دولي انتحار
فأهم بند في أن يصبح حفتر حاكما على المناطق التي يسيطر عليها، أن يحظى بالاعتراف الدولي، لأنه بدونه لا يمكنه بيع برميل نفط واحد بطريقة شرعية، وكذلك التعاملات المالية مع الخارج، على سبيل المثال، إلا إذا كان يحظى بدعم قوة عظمى مثل الدعم الأمريكي لتايوان، أو سيصبح إقليما معزولا مثل “أرض الصومال”.
ولحد الآن عارضت الولايات المتحدة الأمريكية ما أسمته “اقتراح حفتر”، ورفضت أي “إعلان أحادي الجانب”، كما أن الاتحاد الأوروبي الذي يعد أكبر شريك تجاري لليبيا رفض إعلان حفتر تنصيب نفسه حاكما على ليبيا.
والأمم المتحدة شددت على أن الاتفاق السياسي والمؤسسات المنبثقة عنه يبقيان الإطار الوحيد المعترف به دوليا للحوكمة في البلاد.
يبقى التساؤل الأهم ما هو موقف حلفاء حفتر من قراره الأخير، وبالأخص روسيا والإمارات ومصر والسعودية بالإضافة إلى فرنسا.
فروسيا التي تدعم حفتر عسكريا بشكل غير رسمي عبر مرتزقة شركة فاغنر، لم ترحب بإعلان جنرال الشرق، وقال وزير خارجيتها سيرغي لافروف، “روسيا لن تقبل أن ينصب حفتر نفسه حاكما لليبيا من جانب واحد”.
حتى مصر أحد الداعمين الرئيسيين لحفتر، أعلنت تمسكها بالحل السياسي، ما يعني رفضها إلغاء الاتفاق السياسي، وهو ما يضع حفتر في عزلة دولية حتى من أقرب منافسيه.
ففرنسا يستبعد أن تخرج عن التوافق الأوروبي، وتبقى الإمارات الوحيدة التي تتسق مواقفها مع فكرة تقسيم ليبيا عبر إعلان حفتر حاكما على جزء من البلاد.
حيث تدعم الإمارات في اليمن المجلس الانتقالي الجنوبي، الداعي لانفصال الجنوب عن الشمال، لذلك لن يضيرها إعلان حفتر دولته في إقليمي برقة (شرق) وفزان (جنوب) وأجزاء من إقليم طرابلس (غرب).
عقبات داخلية أمام التقسيم
لكن تقسيم ليبيا، وإن لم تكن فكرة جديدة، أمامها عقبات كثيرة، فأبرزها أن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق يرفض التقسيم، بل إن أحد أبرز أعضائه من الشرق وهو محمد عماري (من مدينة بنغازي).
كما شكلت حكومة الوفاق غرفة عمليات لتحرير المنطقة الشرقية على رأسها ضباط من الشرق أبرزهم: وزير الدفاع السابق مهدي البرغثي، من قبائل العواقير، وقائد الأركان السابق عبد السلام جادالله العبيدي، من قبائل العبيدات.
وهناك تداخل بين انتشار بعض القبائل في الشرق والغرب، فقبيلة الورفلة لها امتداد في غرب وشرق البلاد، وكذلك قبيلة الفرجان التي ينحدر منها حفتر، أما قبيلة الزوية في الشرق فتعود أصولها إلى الغرب الليبي والأمثلة عديدة، لذلك فقبائل الشرق بالخصوص كانت أول من تصدى لمشروع فيدرالية برقة بعد ثورة 17 فبراير/شباط 2011.
بل إن حفتر نفسه لم يطرح رسميا فكرة التقسيم، ولم يؤيد طموحات فيدرالي برقة في مجلس نواب طبرق، لكن إصراره على الوصول إلى الحكم بأسرع وقت، وتلاشي أحلامه في دخول طرابلس بعد تدخل تركيا لدعم صمود قوات الوفاق، دفعه نحو هذا الخيار الانتحاري.
وفي ظل افتقاد حفتر لدعم دولي لتحقيق ما أعلن عنه، ورفض رئيس مجلس نواب طبرق الاستقالة أو حل البرلمان والانضمام إلى مشروع جنرال الشرق، فهذا سيدفع بأسهم عقيلة صالح، داخليا ودوليا، خاصة إذا استطاع الصمود أمام تهديدات مليشيات حفتر.
فصالح، من الشخصيات التي لها اعتبارها بين أفراد قبيلة العبيدات، التي لها وزنها في إقليم برقة، وهذا أحد أسباب تحديه لحفتر، والسبب الثاني أنه يحظى بدعم أممي، حيث رحبت رئيسة البعثة الأممية بالنيابة إلى ليبيا ستيفاني ويليامز، بمبادرة رئيس مجلس نواب طبرق للحل السلمي في البلاد.
لذلك فإن خطوة حفتر ليست سوى “ضربة عصا في البحر”، فكلما دفع بفكرة تنصيب نفسه على جزء من ليبيا، كلما كرس ذلك الانقسام والتقسيم في ظل توازن نسبي للقوى، لكن ذلك سيجابه من عدة أطراف دولية وداخلية بما فيها دول تدعمه وقبائل تبدي له الولاء.