خصص بومبيو وزير الخارجية الامريكي مؤتمرا صحفيا للحديث عن علاقة ايران بالقاعدة، معلنا ان المعلومات التي قدمها ذات طبيعة استخبارية؛ فالتعاون الايراني مع القاعدة -بحسب بومبيو- له بصمات في هجمات 11 سبتمبر، مؤكدا ان طهران وفرت ملاذًا آمنًا لقيادات القاعدة، مستدلًا على ذلك بحادثة اغتيال محمد المصري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة في ايران، وهو الامر الذي نفته طهران.
إعلان وزير الخارجية جاء بعد يوم واحد من تصنيف جماعة انصار الله الحوثية، وزعيمها عبد الملك الحوثي “جماعة ارهابية”؛ فأيام بومبيو الاخيرة في وزارة الخارجية باتت مكرسة لمحاصرة طهران وملاحقتها، ووضع ما يمكن من عوائق لاستئناف الحوار بينها وبين ادارة الرئيس الجديد جو بايدن.
محاولات لا يرجح ان تعيق عودة طهران وواشنطن الى طاولة المفاوضات، خصوصا ان بايدن اختار وليم بيرنز مديرًا لوكالة الاستخبارات الامريكية “سي اي ايه” (CIA)، وأنتوني بلينكين وزيرًا لوزارة الخارجية، وكلاهما (بيرنز وبلينكين) عملا في فريق الرئيس السابق باراك اوباما، ولعبا دورا مهمًّا في الاتفاق النووي، وليس مصادفة ان بيرنز مرشح بايدن لتولي إدارة الـ(CIA) تولى المفاوضات المباشرة مع طهران، والتي أفضت للاتفاق النووي، وهي الوكالة ذاتها التي ادعى بومبيو امتلاكها معلومات حول علاقة ايران بالقاعدة.
جهود بومبيو من الممكن ان ترفع سقف إدارة بايدن في مفاوضاتها مع طهران، لكنها لن تعيق جهود خفض التصعيد؛ فطهران رفعت سقفها، وباتت جاهزة للحوار مع واشنطن بإقرار الشورى الايراني قانونًا يسمح برفع مستوى تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%.
سقوفٌ تفقد إجراءات بومبيو وإعلاناته قيمتها؛ ما يدفع للتساؤل عن الدوافع الحقيقية التي تقف خلف إعلانات بومبيو وتحركاته المحمومة.
تحركات بومبيو لا تبتعد كثيرا عن رغبته في ايجاد مكان له في المستقبل، سواء كمرشح لمجلس الشيوخ أم مرشح للرئاسة، إلا أن انتماءَه الأيدولوجي، وإخلاصه لليمين الإنجيلي والصهيوني لا يقل خطورة وأهمية عن طموحاته الشخصية، وهو توجه مفاجئ تفوق فيه على نائب الرئيس مايك بنس الذي يدعي أن الرب يتحدث معه ويوجهه؛ فبنس في النهاية وقف في مواجهة الرئيس ترمب، واستعان بالحرس الوطني لمواجهة مقتحمي الكابيتول هيل، والأهم أنه أوقف تواصله مع ترمب في أيامه الاخيرة للرئاسة.
بومبيو كان وزير خارجية استثنائيًّا، مخلصًا لترمب، ولكنه مخلص لليمين الإنجيلي الأمريكي أكثر؛ فإخلاصه لترمب عَبَّر عنه بتجاهل الاعتراف بفوز بايدن، غير أن إخلاصه لليمين دفعه إلى زيارة كنائس اسطنبول، واستهداف طهران في الآن ذاته، فهل الدين والسياسة كافيان لتفسير سلوك بومبيو أم إن له مصالح مالية ستتكشف بعد رحيله على يد خصومة الديمقراطيين مع حلفاء امريكا في المنطقة، لتبدأ حلقة جديدة من الصراع في أمريكا والمنطقة؟
أسئلة لا تنتهي ولن تنتهي برحيل ترمب وطاقم إدارته الإشكالي.