أنقرة والقاهرة.. مأزق الخطوط الحمراء!

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on telegram
كتب : حازم عياد

هل تسرعت القاهرة بإطلاقها تحذيرًا لحكومة الوفاق الليبية في حال سيطرت قواتها على سرت والجفرة؟ وهل إعلان سرت خطًّا أحمر ناجمٌ عن سوء تقدير للموقف في القاهرة، أم إنه مجرد سقف تفاوضي؟ وهل القاهرة على استعداد لتحمل عواقب التدخل العسكري المباشر؟
إنها اسئلة تتعاظم وتزداد أهميتها بعد مرور 72 ساعة على الخطاب المكتوب للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

بعيدًا عن احتفاء بعض القنوات بردود الفعل العربية الباهتة، والموقف الأمريكي الغامض، نستطيع القول إن القاهرة في مأزق كبير؛ فأمريكا لن تقبل بسيطرة روسيا و”فاغنر” على سرت او الجفرة، وستدعم سيطرة “الوفاق” على الميناء في سرت، والقاعدة الجوية في الجفرة؛ إذ إن النفوذ الروسي سيجلب معه النفوذ الإيراني، ومصر لا تتمتع بالمرونة الكافية للتعامل مع هذا الموقف المعقد، والمتشابك، الناجم عن العقوبات الدولية؛ فحظر السلاح، والاستعانة بروسيا لتجاوزه فتح الباب لتعميق نفوذ روسيا من بوابة الجنرال حفتر.

حقيقةٌ أكدها لقاء رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، ووزير داخليته فتحي باشاغا، واللواء أسامة الجويلي، وآمر المنطقة العسكرية الغربية في مطار زوارة مع رئيس الأفريكوم الجنرال ستيفن تاونسند، والسفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند؛ فأمريكا تنظر بعين الشك للنفوذ الروسي المتعاظم في ليبيا، وتأخذ حكومة الوفاق على محمل الجد، وترى فيها جهة موثوقة، خصوصًا بعد نجاحها في طرد “داعش” من الغرب الليبي ومدينة سرت بالتعاون مع الأفريكوم، فآخر ما تريده أمريكا رؤية قوات روسية في سرت والجفرة بعد ان دفعت أثمانًا باهظة لطرد “داعش” من ليبيا.

لكنْ بات واضحًا أن مصر رفعت سقفها في ليبيا بشكل غير مدروس؛ فالإعلان عن سرت كخط أحمر يحظر على حكومة الوفاق الليبية تجاوزه، والتلميح بتدخل عسكري مصري في ليبيا، من الممكن ان يتحول الى مصدر حرج كبير لمصر؛ ذلك أن سرت على وشك الخضوع لحكومة الوفاق، وكل ما فعلته “فاغنر” أنها أَخَّرت السيطرة على المدينة من خلال المفخخات والالغام على أمل تحسين شروط التفاوض؛ فالمدينة من ناحية واقعية باتت بيد حكومة الوفاق.

والأهم من ذلك أنَّ المراقبين للمشهد السياسي المصري يدركون أن خطاب السيسي السبت الفائت في 20 حزيران الحالي كان محاولة للتفاوض برفع السقوف، إلا أن نتائجه كانت عكسية ليس في ليبيا فحسب، بل في وادي النيل وإثيوبيا أيضًا؛ فتزامن الحَدَثين: “ملء سد النهضة”، و”الإعلان عن تدخل مصري محتمل في ليبيا” أضعف الموقف المصري في ملف سد النهضة، وهدد بتحوله الى كارثة كبرى!

إعلان القيادة المصرية نيتها التدخل في ليبيا في مقابل لجوئها إلى مجلس الامن للتعامل مع إعلان إثيوبيا عن ملء سد النهضة لم يكن عملًا موفقًا؛ إذ شجع إثيوبيا على التمادي في ملف سد النهضة، خصوصًا أن أديس أبابا اشتمت ضعفًا وعجزًا شجعها على التمادي بتأكيدها المضي في ملء السد، بل قصف معسكر الأنفال السوداني من دون خشية أي عواقب محتملة؛ فهي ترسل رسائل بقدرتها على خلط الأوراق في الإقليم، وتعقيد المشهد السياسي.

مصر تواجه مأزقًا كبيرًا، ومن غير المحتمل أن تتمكن من التعامل مع ملفات متشعبة ومعقدة. مسألةٌ تحتاج من القيادة المصرية إلى إعادة تقدير الموقف، والبحث عن سبل للتفاهم والتحاور مع حكومة الوفاق وتركيا، خصوصًا أن مصر غير متحمسة لتوقيع اتفاق ترسيم مياهها الإقليمية مع اليونان؛ فرغم أن مصر تُصعد إلا أنها تميل نحو التفاوض من خلال إزاحة الجنرال حفتر من المشهد، وتقديم عقيلة صالح كواجهة سياسية امتلك مرونة كافية ليلتقي الرئيس الجزائري في الوقت ذاته الذي التقى فيه السراج عبد المجيد تبون الرئيس الجزائري.

مصر أكثر ميلًا نحو التفاوض مع تركيا، والتفاهم، ورغم السقف المرتفع الذي قدمته، فإنه لن يمنع حكومة الوفاق من التقدم نحو سرت، وهو الخطأ الذي ارتكبته القاهرة؛ إذ كان الاجدر بها التركيز على رعاية عملية التفاوض، والانفتاح على أطراف الصراع في ليبيا وتركيا؛ فأنقرة وَجَّهت رسائل إيجابية للقاهرة غير مرة حول ليبيا.

ختامًا.. مصر أمام استحقاق خطير في وادي النيل، ويحتاج الى تركيز وتضامن كبير، ليس من العالم العربي فقط، بل الاسلامي؛ لبعده الحضاري والإستراتيجي، ومن ضمنهم تركيا؛ فالأمر يتجاوز انظمة الحكم وتبايناتها نحو قضايا إستراتيجية وحضارية وجودية، وهو أمر لا يمكن ان للقاهرة ان تتعامل معه بفاعلية دون تسوية الملف الليبي، بعيدًا عن التهديد والوعيد المفرط في تقدير الموقف! والاعتماد على دعم حلفاء مأزومين. فالقاهرة بحاجة إلى إعادة تقدير الموقف بشكل يجنبها الحرج والاستنزاف، ويمكنها من مواجهة التهديد الإستراتيجي في وادي النيل.

اكتب تعليقك على المقال :