اثارت رسالة سبعة من اعضاء الكونجرس الامريكي( من النواب) يطالبون فيها بتسليم الاردن السيدة احلام التميمي بتهمة مشاركتها في قتل أمريكيين” بسلاح دمار شامل” في اشارة لعملية استشهادية جرت في تل ابيب عام 2001 قتل فيها 15 اسرائيليا وجرح 145.
وفي اطار تبادل الاسرى بين حركة حماس واسرائيل فيما عرف بصفقة ” شاليط” (الجندي الاسرائيلي الذي اسرته حماس” تم الافراج عن السيدة احلام بعد قضائها عشرة اعوام في سجون الاحتلال وتوجهت بعدها الى الاردن.
لكن اطرافا امريكية اعادت المطالبة بالسيدة احلام عام 2017، وها هي تعود لنفس المطلب مهددة الاردن بوقف المساعدات إذا لم يتم تسليم الاسيرة المحررة.
ولكن دعونا نتناول الموضوع من جوانب عدة:
أولا: من أعاد تحريك الموضوع:
يكفي ان نستعرض اسماء الاعضاء السبعة لنعرف الدوافع ، وساركز على الجوانب المشتركة ذات الدلالة في شخصياتهم: انهم :
1-: Greg Steube غريغ ستيوب -خدم في الجيش الامريكي وقاتل في العراق- طبيب بيطري( يمثل فلوريدا)
2- Paul Gosar, بول غوزار ( من اريزونا) وقف ضد محاكمة ترامب، وزوَّر صورة تجمع الرئيس الايراني روحاني والرئيس الامريكي السابق اوباما، وكتب تحتها العالم سيكون افضل دون هذين الشخصين..لكنه اضطر لاحقا للاعترف بالتزوير.
3- ) Ted Yohoتيد يوهو) حاصل على صفر في تقييم Human Rights Campaign, ومن انصار معاقبة الصين متخصص في الطب بيطري( يمثل فلوريدا)
4-, Doug Lamborn( دوغ لامبورن) وهو من كولورادو: متخصص في الاعلام والقانون- ايد ترامب في منع مواطني سبع دول اسلامية من الدخول لأمريكا، كما انه عضو في التحالف الاسرائيلي Israel Allies) Caucus )
5-, Brian Mast (بريان ماست)- من فلوريدا- تخصص اقتصاد- اصيب في انفجار قنبلة فانقطعت قدماه واصبع يده- وقف ضد محاكمة ترامب…من انصار خفض مساهمة الولايات المتحدة في ميزانية الامم المتحدة وهو صاحب المقولة المشهورة:: “إذا كان هناك أحد يوجه صواريخ إلى الولايات المتحدة ، فسيتم إرسال أشخاص مثلي لقتلهم ، وحينها يصفق الأمريكيون لنا”. وهو من اشد اعداء ايران .وسبق له ان تطوع فترة مع الجيش الاسرائيلي في قاعدة قرب تل ابيب.
6-, Scott Perry (سكوت بيري) : خريج كلية الحرب الامريكية- شارك في عمليات قتالية في العراق 2009 و 2010
7- Louie Gohmer ( لوي غومرت ) من تكساس ، متخصص في التاريخ والشؤون دولية وعضو في Israel Allies Caucus وفي حزب الشاي/ وهو الذي سبق له ان اثار موضوع امراة ادعى انها من حركة حماس وجاءت للولايات المتحدة لتضع مولودها في الولايات المتحدة ليبقى هناك بدوافع ارهابية ، كما سبق له ان اثار موضوع صلات الاخوان المسلمين ببعض اعضاء ادارة اوباما.
ثانيا: ماذا يجمعهم ، انهم:
أ- اعضاء في التحالف الاسرائيلي(Israel Allies Caucus ) وهو تجمع مساند لاسرائيل ويدافع عن سياساتها بقوة ، ويعد من اهم تجمعات اللوبي المساند لاسرائيل من مجلس النواب الامريكي، وتاسس هذا التجمع عام 2006.
ب- اعضاء في “جمعية إيميت” (EMET) المؤيدة لـ”إسرائيل”. Endowment for Middle East Truth (يرمز لها ب ( EMET وتعني الحقيقة بالعبرية ، وهي واحدة من اشرس الجمعيات المدافعة عن اسرائيل، وتتصدر صورة احلام التميمي ورسالة الاعضاء للأردن صدر الموقع الالكتروني لهذه الجمعية.
ت- اغلبهم اعضاء في Tea Party Caucus المعروف بسيطرة المحافظين والانجيليين عليه.
ث- خدموا في الجيش الامريكي في العراق( اغلبهم) وبعضهم مارس اعمال قتالية في العراق وافغانستان كما اشرت لذلك في السطور السابقة
ثالثا: الدوافع المتجددة: هناك مجموعة من الظروف التي ترافق الدعوى الجديدة:
أ- التفاوض بين حماس واسرائيل حاليا بخصوص الجنود الاسرى في يد حماس ( يقال انهم اربعة)، ويبدو ان اسرائيل تريد تضيق مساحة الشروط الحمساوية في التفاوض، من خلال حشر موضوع احلام التميمي في الموضوع ليبدو كأن اسرائيل ستقدم تنازل بخصوص موضوعها مقابل تحقيق مكسب في الجنود الاسرى ولو من باب الحصول على معلومات عنهم.
ب- ربط الطلب بتسليم احلام له علاقة بممارسة الضغط على الاردن وتذكيره ” بضيق ذات اليد” الاقتصادية ليكون ذلك طلبا ضمنيا من الاردن بالتوقف عن ” التشويش ” على احتمالات استئناف جهود تطبيق صفقة القرن التي ستُحمل الاردن اعباء لا قبل له بها، لا سيما أن الاردن لم يحضر مؤتمر اعلان الصفقة .
ت- تزايد الفجوة بين الاردن والولايات المتحدة بعد نقل السفارة الامريكية للقدس ثم الإعلان الاسرائيلي عن مخططات اسرائيلية لضم الغور واجزاء من الخليل واستمرار الاستيطان …الخ.
رابعا: البيئة القانونية للقضية، وهنا لا بد من التذكير ب:
أ- معلوم ان تسليم الاشخاص محكوم اما بنصوص معاهدات بين طرفي العلاقة او بمنطق المعاملة بالمثل ، وهو امر غير متوفر في الحالة موضوع البحث، فالاتفاقية الاردنية الأمريكية عام 1995 لتسليم ” المجرمين” لم تكتمل حلقات دستوريتها نظرا لعدم مصادقة مجلس الامة الاردنية عليها وهو شرط ضروري لتصبح موضع التنفيذ ، كما ان المعاملة بالمثل غير قائم في الحالة الاردنية الامريكية لاسيما ان التميمي تحمل الجنسية الأردنية.
ب- معلوم ان القضاء الأردني حكم في الموضوع سابقا، فمحكمة التمييز الاردنية (وهي السلطة القضائية الأعلى) قضت في عام 2017 بالمصادقة على قرار محكمة استئناف عمان ” بعدم تسليم السيدة أحلام للولايات المتحدة”.
ت- معلوم ان السيدة احلام قضت عشر سنوات في السجن، وعليه كيف يمكن اصدار احكام على قضية مرتين ؟ كما ان اتفاقية اطلاق سراحها تمثل عقدا لا بد من الالتزام به .
ث- ان الاستناد الى قانون ديسمبر 2019 الامريكي الذي ينص على ” منع تلقي المساعدات الأمريكية لأي دولة تنتهك معاهدة تسليم المجرمين فيما يتعلق بالأشخاص المطلوبين بتهم تكون العقوبة القصوى لها السجن مدى الحياة دون إمكانية الإفراج المشروط ” غير وارد في هذه القضية ، لأن الكونغرس لم يصدّق ولم يتبنّ المشروع ويحوله الى قانون ليجري التصويت عليه ، كما لم يتم رفع المشروع إلى الإدارة ليصبح قانونا لو تم قبوله بالأغلبية، وحتى لو وصل لهذه المرحلة فإن البيت الأبيض وفقاً للدستور الامريكي غير ملزم بما يصدر عن الكونغرس في مثل هذا الجانب في السياسة الخارجية التي تقتصر حصراً على السلطة التنفيذية.
خامسا: العلاقة المالية – كعب اخيل في العلاقات الأردنية الامريكية: في عام 2018 جرى اتفاق اردني امريكي على تقديم واشنطن 6 مليار دولار للأردن خلال السنوات الخمس القادمة، ومن الضروري الاقرار وبكل وضوح ان العلاقات الدولية لا تعرف ” البر والاحسان”، وكنت وما زلت على قناعة بأن حلفاء الاردن هم في الغالب سبب مشكلاتها الكبيرة، فالمساعدات تبقى كسيف دموقليس مشهرا فوق الرؤوس ، إفعلْ وإلا…، وهو ما يستوجب من الدبلوماسية الاردنية التفكير خارج هذا الصندوق…
بناء على ما سبق، لا ارى ان الطلب الامريكي قابل للتحقق في المدى المنظور، بخاصة اذا ساندت هيئات المجتمع المدني الاردني الموقف الرسمي المعلن في هذا المجال لتبقى احلامنا وتتوارى اضغاث احلامهم.